دورة تدريب معلمي اللغة العربية
المحاضرة الثانية
بين تعليم اللغة لأهلها وتعليمها لغير أهلها
هناك فرق كبير بين تعليم اللغة
لأبنائها, وتعليمها لغير أبنائها. وقليل من الناس من يعرف ذلك, حتى بين المتخصصين
في الدراسات العربية؛ من الذين لم يتح لهم فرصة لدراسة علم اللغة التطبيقي.
لا يتبادر إلى ذهن كثير من القائمين
على تعليم العربية لغير أهلها مقدار الفروق بين تعليم اللغة لأهلها وتعليمها لغير
أهلها؛ فخلطوا بين الأمرين, وهذا الخلط زاد الصعوبة على متعلم العربية من غير
أبنائها إذ تعامل معه المدرسون والقائمون على برامج التعليم كما يتعاملون مع أهل
اللغة الذين نشؤوا في بيئتها, وألفوا أصواتـها ومفرداتـها وتراكيبـها, بل وانتموا
إلى ثقافتها.
ولو أخذنا مثالاً واحداً لتبين من
خلاله البون الشاسع بين هذين النوعين من الدارسين, فإن كلمة (قلم) على سبيل
المثال, لا يحتاج أهل اللغة في أوائل تعلمهم لها إلاّ إلى تعلم كيفية قراءتـها
وكتابتها, وأما بقية المهارات فإنـها ليست عندهم صعبة فهم يفهمونها إذا سمعوها,
ويستعملونها في كلامهم, وكذلك فإن أصواتـها قد اعتادوا عليها ويميزونها من غيرها,
كما أن معناها معلوم لديهم ويستطيعون استعمالها في تراكيب اللغة؛ بينما في المقابل
يحتاج متعلم العربية من غير أهلها إلى كل ذلك, فقد لا يستطيع تمييز بعض أصواتـها,
ولا يعرف معناها, ولا يستطيع استعمالها في تركيب صحيح ويصعب عليه فهمها عند
سماعها, كما يصعب عليه استعمالها في كلامه, ويصعب عليه أيضا قراءتـها وكتابتها,
ولهذا يحتاج إلى تعلم عناصر اللغة الثلاثة ( الأصوات, والمفردات, والتراكيب )
ومهاراتـها الأربع ( الاستماع, والكلام, والقراءة, والكتابة ), بينما لا يحتاج أهل
اللغة في الأساس وفي الغالب إلاّ إلى مهارتي القراءة, والكتابة.
مقارنة
بين العربي وغير العربي في اكتساب اللغة
|
||
العربي
|
غير
العربي
|
|
· أصوات
|
P
|
O
|
· مفردات
|
P
|
O
|
· تراكيب
|
P
|
O
|
· استماع
|
P
|
O
|
· كلام
|
P
|
O
|
· قراءة
|
O
|
O
|
· كتابة
|
O
|
O
|
وممّا يزيد الأمر سوءا أنّ بعض كتب
تعليم العربية تقدم اللغة – ولاسيما قواعدها - لغير الناطقين بِها كما تقدمها
للناطقين بِها وبالطرق نفسها.
فأنّى لمتعلم العربية من غير أهلها أن
يجيدها إذا كان يعلّم إياها كما يعلّم أهل اللغة؛ لأنّ بعض القائمين على تعليم
العربية يجهلون كل هذه الفروق بين النوعين من الدارسين.
ويكمن الفرق الجوهري بين الكتاب المخصص
للعرب والكتاب المخصص لغيرهم في أنّ الأول يستعمله تلاميذ ينتمون إلى الثقافة
ذاتـها ويتكلمون اللغة العربية التي يتعلمونـها, أما الثاني فيستعمله طلاب لا
ينتمون إلى الثقافة نفسها ولا يعرفون اللغة العربية. والكتاب المعدّ لغير الناطقين
باللغة قد يحتاج إلى التحليل التقابلي للغة العربية ولغة التلاميذ؛ بحيث تحدد ما
تتفق فيه اللغتان، وما تختلفان فيه للاستفادة من ذلك في معرفة الصعوبات التي
يواجهها التلميذ في تعلم تراكيب العربية ونظامها الصوتي، كما يجب أن يتخذ هذا
الكتاب بيئة الطالب ومجمل حضارته منطلقا له في تقديم الحضارة العربية الإسلامية.
وهذا يعني أن الكتاب الذي يصلح لتعليم اللغة العربية لأبنائها قد لا يصلح لتعليمها
لغير الناطقين بـها.
وتبعا لهذا الفرق فإنّه ينبغي أن يختلف
الكتاب التعليمي, لتعليم العربية لغير الناطقين بـها عن الكتاب التعليمي لتعليم
العربية لأبنائها, من حيث الغرض والبناء والوسيلة، وقد أغفل كثير من المهتمين بنشر
اللغة العربية هذه الفروق الأساسية زمنا طويلا, وكانوا – وما زالوا مع الأسف –
يبعثون بالكتب التي نستعملـها في مدارسنا العربية إلى البلدان الشقيقة غير
العربية, التي تطلب مساعدتنا في تعليم لغتنا في مدارسها.
ونتيجة لهذا الخلط بين النوعين من
الدارسين, شاع استخدام كتب تعليم العربية للعرب في تعليم العربية لغير العرب, وترى
ذلك واضحاً في المدارس والمعاهد والمراكز التي يتعلم فيها أبناء المسلمين من غير
العرب العربية؛ فتجد مناهج ومقررات وزارة التربية والتعليم السعودية, ومناهج من
مصر, ومن ليبيا,.. ومن غيرها من البلاد العربية تدرّس في هذه المؤسسات. بل ويطبق
بعض من تلك المناهج تطبيقاً سيئا في كثير من الأماكن, حيث يستخدمون ما يتاح لهم من
هذه الكتب دون مراعاة لاختلاف المستويات, ودون مراعاة للتدرج المطلوب في عملية
التعليم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل تجاوزه
إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الكتب المعدة لأطفال العرب في المراحل الأولى من التعليم
صالحة لغير العرب من صغار وكبار؛ معتقدين بأن سهولة المحتوى والمستوى الثقافي
كافيان ليحققا أهداف الدارسين من غير العرب. ولأنّ القائمين على أمر هذه المؤسسات
بعيدون عن هذا الميدان, غفلوا عن المستوى اللغوي –وهو الأهم في هذا الجانب- وغفلوا
عن دوره الكبير في عملية تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها. وقد رأيت -كما رأى غيري -
كثيراً من كتب المرحلة الابتدائية وما بعدها في المملكة العربية السعودية منتشرة
في مدارس المسلمين في غير البلاد العربية.
كان لهذا التوسع في استخدام الكتب
المعدة لأبناء العرب في تعليم غير العرب, أثر كبير في الشعور بالاستغناء عن كتب
خاصة لتعليم العربية لغير العرب؛ ومن ثَمَّ فإن ما في الساحة من كتب أعدّت خصيصا
لتعليم العربية لغير الناطقين بـها, يعد قليلاً جداً مقارنة بكتب تعليم اللغات
الأخرى, فالاختراع وليد الحاجة, وهذه الحاجة لم يشعر بِها من يتولى تعليم اللغة
العربية لغير العرب, لوفرة ما في الساحة من كتب تعليم العربية والدين لأبناء
العرب, وهذه - كما هو معلوم - لا تصلح لتعليم غير العرب لافتقارها إلى الأسس
العلمية والفنية المطلوبة لهذا النوع من التعليم والجمهور.
بين تعليم اللغة الأولى وتعليم اللغة
الثانية فروق من حيث المحتوى:
§
من حيث
الأهداف التربوية.
§
ومن حيث طريقة
التدريس.
§
ومن حيث تدريس
الثقافة.
§
ومن حيث أسلوب
التقويم.
إن أوجه الاختلاف الكثيرة بين اكتساب
العربية بوصفها لغة أولى, وتعلمها بوصفها لغة ثانية, يُعَزّز دعوى ضرورة إيجاد كتب
لتعليم العربية لغير الناطقين بها, مختلفة عن كتب تعليمها للناطقين بها. وقد يكون
النحو لكل منهما, أهم اختلاف ينبغي أن تنطوي عليه تلك الكتب. فثمة أمور من النحو
اكتسبها الناطقون بالعربية قبل دخولهم المدرسة, ولن يكونوا في حاجة إلى تعلمها,
لأنها باتت جزءاً من كفايتهم اللغوية, يعرفونها معرفة ضمنية لا واعية, ويستخدمونها
استخداماً علمياً صحيحاً. على الطرف الآخر نجد الطلاب الآخرين يحتاجون من النحو
إلى كل شيء ليتعلموه, بسبب أن أذهانهم خالية من العربية, وكفايتهم بها من ثم تساوي
الصفر عند البدء بعملية التعلم.
وما زالت بعض الحكومات العربية تمدّ يد
العون إلى المسلمين الراغبين في تعلّم اللغة العربية وتزودهم بمدرسين من ذوي
الخبرات في تعليم اللغة العربية؛ ولكن – ويا للأسف – خبرتهم كبيرة في تعليم اللغة
العربية لأبناء العرب، وليس لغير الناطقين بِها، وكثير منهم لا يظنّ أنّ هناك فرقا
بين النوعين من الدارسين؛ ولذا فجهودهم – مع اجتـهادهم الكبير – نجاحها قليل؛ بسبب
تركيز كثير منهم على القواعد العربية بشاردها وواردها.
وإذا نظرنا إلى حاجات كل من الفريقين -
العرب ومتعلمي العربية - وإلى الأخطاء
التي تصدر من كليهما, تبيّن لنا:
o
أنّ حاجات
العرب إلى القضايا الصرفية, غير ما يخص الناحية الإعرابية, ليست قائمة بصورة كبيرة
بالنسبة للعرب, ولكنها قضايا ضرورية بالنسبة لغير العرب.
o
تنتمي أكثر
أخطاء متعلمي اللغة من غير أهلها إلى المستوى التركيبي بشكل خاص, وهذا المستوى هو
أكثر مستويات اللغة ثباتاً عبر العصور, بينما تنصب أغلب أخطاء العرب حول ما يدور
في فلك الحالة الإعرابية منه بدرجة أكبر.
o
حاجة العرب
بدرجة أساسية إلى نحو الإعراب, بينما حاجة متعلمي العربية إلى مستويات اللغة كلها,
ويعني بها القواعد الوظيفية, وذلك لأنّ الأصل في القواعد أن تكون لإقامة اللسان
ولتصحيح الأخطاء.
o
اكتساب اللغة
الأم يتم في ظروف طبيعية, بينما يتم تعلم اللغة الثانية في ظروف رسمية داخل الصف
في أغلب الأحيان؛ ولذا فإنّ الطائفة الأخيرة بحاجة إلى مزيد من التدريب على
التراكيب الهدف.
o
كثير من
قوانين اللغة يكتسبها أهل اللغة منذ الصغر وقبل دخول المدرسة, وليسوا _فعلاً_
بحاجة إلى تعلمها في المدرسة, فهي من كفايتهم اللغوية, يعرفونها معرفة ضمنية لا
واعية, ولكن متعلمي اللغة من غير أهلها يحتاجون إلى كل شيء, فأذهانهم خالية من كل
شيء في مستويات اللغة والثقافة أيضاً.
o
إذن بداية
التعلم الواعي عند الفريقين مختلفة تماماً.
o
ولذا فإنّ
الصحيح هو الاكتفاء بنحو الإعراب للعرب, والقواعد الوظيفية لغيرهم.
o
ويسمي عمر
عكاشة نحو العرب بنحو الإعراب ونحوهم ونحو غيرهم بالنحو المشترك.
ونوجز هذه
النتيجة بما يلي :
· أهل
اللغة يكتسبونها اكتسابا تلقائيا من والديهم والبيئة قبل المدرسة.
· أهل
اللغة يعيشون ثقافتها.
·
أهل اللغة
يتعلمون في المدرسة القراءة والكتابة, أما ما سواهما من عناصر اللغة ومهاراتها فقد
سيطروا على أساسياتها.
· غير
أهل اللغة يحتاجون إلى الأساسيات في العناصر والمهارات كلها.
·
لا ينبغي أن
يهمل تعليم الأصوات والاستماع والكلام.
·
الكتب المعدة
لتعليم اللغة لأهلها تختلف عن الكتب المعدة لتعليمها لغير أهلها.
·
لا ينبغي أن
تستخدم في تعليم العربية لغير أهلها الكتب المستخدمة في تعليم أهلها.
·
لا ينبغي أن
تستخدم كتب الصغار المعدة للعرب في تعليم غير العرب صغارا وكبارا.
·
معلم اللغة لغير لأهلها يختلف عن معلم اللغة لأهلها.
·
لا ينبغي أن
يُعَلِّمَ العربية غير مختصين بتعليمها لغير أهلها.
·
الجهل بهذا
الفرق الكبير بين هذين الفريقين أعاق التعليم العربي خارج الوطن العربي بدرجة
كبيرة.
·
لا ينبغي أن
تُعَلَّمَ العربية لغير أهلها بالطريقة التي تُعَلَّمُ بها لأهلها.
·
لا ينبغي أن
يركز على طريقة القواعد والترجمة.
اكتساب اللغة وتعلمها
اكتساب
اللغة:
يقصد باكتساب اللغة العملية غير
الشعورية، وغير المقصودة، التي يتم بِها تعلم اللغة الأم، ذلك أن الفرد يكتسب لغته
الأم، في مواقف طبيعية، وهو غير واع بذلك، ودون أن يكون هناك تعليم مخطط له، وهذا
ما يحدث للأطفال، وهم يكتسبون لغتهم الأولى، فهم لا يتلقون دروساً منتظمة في قواعد
اللغة، وطرق استعمالِها، وإنما يعتمدون على أنفسهم، في عملية التعلم، مستعينين
بتلك القدرة، التي زودهم بِها الله تعالى، والتي تمكنهم من اكتساب اللغة في فترة
قصيرة، وبمستوى رفيع.
تعلّم اللغة:
يقصد بتعلم اللغة تلك العملية الواعية،
المخطط لَها من أطراف عديدة؛ لتمكين الفرد من تعلم اللغة الثانية، أو الأجنبية،
وتتم هذه العملية - عادة- في مرحلة متأخرة من العمر، بعد مرحلة الطفولة
المبكرة. ومن أهم ما يميز تعلم اللغة عن اكتساب اللغة ما يلي: اختلاف الدوافع في
الحالتين؛ فالفرد في حاجة إلى اللغة الأم، لأداء وظائف حياته الأساسية، أما
بالنسبة للغة الأجنبية، فالدوافع خارجية، فقد تكون ثقافية، أو اجتماعية، أو
اقتصادية، أو سياسية. ومن ناحية أخرى تختلف البيئة في الحالتين: فاكتساب اللغة،
يتحقق في مجتمع اللغة، بشكل طبيعي، حيث يتعرض الطفل بصورة مستمرة للغة الأم، أما
متعلم اللغة، فيتلقاها في بيئة مصطنعة، وفي فترة قصيرة، ومن معلمين غير ناطقين أصليين
غالبا. وتنعكس تلك الاختلافات على الطرق والأساليب، والمادة التعليمية.
بين
اكتساب اللغة وتعلمها
|
|
اكتساب
اللغة الأم
|
تعلم
اللغة الأجنبية
|
· اكتساب
اللغة الأم
· من
البيئة المحيطة
· من
دون معلم
· تلقائيا,
ودون قصد
· تكتسب
كل العناصر والمهارات ما عدا مهارتي القراءة والكتابة يحتاجان إلى تعلم
|
· تعلم
اللغة الأجنبية
· في
فصول اللغة
· بواسطة
المعلم
· بقصد
وإرادة
· تعلم
كل المهارات والعناصر
|
تعليم
اللغة العربية ينبغي أن يحقق ثلاث كفايات، هي:
أولاً: الكفاية اللغوية: والمقصود بِها
سيطرة المتعلم على النظام الصوتي للغة العربية، تمييزاً وإنتاجاً، ومعرفته بتراكيب
اللغة، وقواعدها الأساسية؛ نظرياً ووظيفياً, والإلمام بقدر ملائم من مفردات اللغة؛
للفهم والاستعمال.
ثانياً: الكفاية الاتصالية ونعني بِها قدرة
المتعلم على استخدام اللغة العربية بصورة تلقائية، والتعبير بطلاقة عن أفكاره
وخبراته، مع تمكنه من استيعاب ما يتلقَّى من اللغة في يسر وسهولة.
ثالثاً: الكفاية
الثقافية: ويقصد بِها فهم ما تحمله اللغة العربية من ثقافة، تعبِّر عن أفكار
أصحابِها وتجاربهم وقيمهم وعاداتهم وآدابهم وفنونهم.
وعلى معلّم
اللغة العربية تنمية هذه الكفايات الثلاث، لدى طلابه من بداية برنامج تعليم اللغة
العربية إلى نهايته، وفي جميع المراحل والمستويات. وبينما يقوم معلّمو اللغة
العربية، ومعدّو المادة التعليمية، ببذل كل ما لديهم من مهارات وطاقات، لتمكين
المتعلم من إتقان الكفايات الثلاث: اللغوية والاتصالية والثقافية. وبملاحظة ما
يحققه الطلاب من تعلم. فقد ظهر أنّ كثيرين من الطلاب يقفون عند حدود الكفاية
اللغوية، ويعجزون عن استخدام اللغة العربية وسيلة اتصال.
وهناك فريق ثانٍ من الطلاب، يحقق مستوى طيباً من
الاتصال باللغة العربية، غير أنه يرتكب كثيراً من الأخطاء اللغوية. وهناك فريق
ثالث من الطلاب يلم بكثير من قواعد اللغة العربية، ويمكنه التواصل بِها، غير أنه
يجهل الثقافة العربية. ويمكن القول، بأن الطوائف الثلاث من الطلاب لم تبلغ الغاية
المنشودة من تعلم اللغة العربية، وهي إتقان الكفايات الثلاث بمستوى طيب، وبشكل
متوازن.
بين علم اللغة وتعليم اللغة،
وبين عالم اللغة ومعلّم اللغة:
أصبح واضحاً لدى الكثيرين - الآن - أن علم اللغة شيء،
وأن تعليم اللغة شيء آخر، رغم ما بينهما من صلات وثيقة. وقد أدرك كثير من اللغويين
أن مهمتهم الأساسية، هي الوصف العلمي للظاهرة اللغوية، وتحليل بنيتها, أما تعليم
اللغة فمجال آخر، يخرج عن دائرة اختصاصهم. إن جل ما يستطيع اللغويون، بصفتهم
لغويين تقديمه لنا من مساعدة، ينحصر في وصف اللغة، ومقارنتها فقط. قلما يكون
اللغويون مدربين، خارج نطاق علم اللغة، الأمر الذي يجعل اللغوي في حديثه عن تعليم
اللغة، أو تعلمها، لا يعكس أية خبرة، بل ربما قال، أو كتب أشد الأمور سخفا، وأقلها
واقعية، وهذا ما حدث بالفعل في الماضي.
ذلك هو علم اللغة تعريفا وموضوعا
ومجالا، وأمّا تعليم اللغة ومجالاته، فإنّه ينحصر في محاولة الوصول إلى أفضل
المناهج والطرق، وأحسن الأساليب التي يتم بِها تعليم اللغة، وبهذا فهو يتناول
الكيفية التي يتعلم بِها الإنسان اللغة، سواء أكانت لغة أُمّا أم أجنبية. وتعليم
اللغة جهد منظم، يقوم به المدرس؛ لإحداث تعلم اللغة لدى تلميذ، أو أكثر من
الناطقين بلغات أخرى غير اللغة هدف التعلم, وتعليم اللغة يجب أن يُبنى على أسس
وقواعد يختارها خبراء تعليم اللغة, لا علماء اللغة.
يتضح لنا مما سبق أن دراسة اللغة غير تعليم اللغة، كما أن عالِم اللغة يختلف عن مدرس اللغة. وإذا كان عالِم اللغة يستطيع أن يقوم بعمله، وهو مستقل تماماً عما يحدث في
مجال تعليم اللغة، فإن مثل هذا الاسـتقلال، لا سبيل إليه بالنسبة لمدرس اللغة. ومن
جهة أخرى، فعالم اللغة له مجاله الخاص، ويتم إعداده وفق خطة معينة. ومدرس اللغة هو
الآخر له مجاله الخاص، ويتم إعداده وفق خطة معينة، تختلف عن الخطة السابقة. وليس
مطلوبا من مدرس اللغة أن يكون عالما في اللغة متعمقا في نظرياتها. إن المطلوب من
مدرس اللغة أن يلم بأساسيات علم اللغة الحديث، مع التركيز على الجوانب ذات الطبيعة
الوظيفية منه. ولا يفهم من كلامنا هذا، أن عالم اللغة مُحرّم عليه القيام بتعليم
اللغة، وإنما له ذلك، إذا توفرت لديه الموهبة، وتلقى تدريبا ملائما في مجال تعليم
اللغة. إنّ معلم اللغة ليس في حاجة إلى أن يكون عالم لغة، وعالم اللغة ليس في حاجة
كذلك، إلى أن يكون معلم لغة.
إن مجال تعليم اللغة شديد الصلة بمجال الدراسة
اللغوية، وذلك لأن اللغة هي الموضوع الذي سنقوم بتعليمه. وهذا يعني ضرورة معرفة
مدرس اللغة باللغة: حقيقتها وطبيعتها. وتلك المعرفة، إنما تتحقق عن طريق علم
اللغة، الذي لا يمكن معرفة اللغة معرفة علمية دون الاستعانة به. وعملية تعليم
اللغة تقتضي إلماما أوليا بقضايا اللغة، وذلك لأن من يرغب في أن يعلم اللغة، لا
يكون بمقدوره القيام بعمله على نحو فعال، ما لم تكن له الخبرة الكافية باللغة
وبطرق تحليلها.
لا يستطيع مدرس اللغة أداء عمله بشكل صحيح، إذا لم تكن
لديه دراية علمية باللغة، وإلا كان عليه أن يعلم شيئا يجهله. ومن ناحية أخرى، يجب
على مدرس اللغة الإطلاع على الجهود التي يقوم بِها علماء اللغة، والانتفاع بِها في
مجال عمله، وإلا اتسم عمله بالقصور والنقص. وهذا الجانب اللغوي أحد الجوانب
الرئيسة في إعداد مدرس اللغة وتأهـيله.
مهمة علم اللغة الأساسية، هي أن يزيد
معرفتنا بطبيعة اللغة وماهيتها، وهدفه النهائي تقديم الوصف اللغوي الأمثل، وهو لا
يضع في اعتباره غاية تعليمية، غير أن الوصف اللغوي الذي يطرحه يستفاد منه في ميدان
تعليم اللغة. وهذه الملاحظة تعني أن علم اللغة لا يعنى بتقديم المساعدة لمدرسي
اللغة الأجنبية بشكل مباشر، كما أن التطورات التي تصيب علم اللغة، لا تؤدي
بالضرورة إلى تطورات مماثلة في ميدان تعليم اللغة الأجنبية. وينحصر دور
علماء اللغة إذن في دراسة الظاهرة اللغوية.. وصفا وتحليلا، ولا يضعون في اعتبارهم
أغراضا تعليمية. ويبدأ دور مدرسي اللغة عند النقطة التي ينتهي فيها دور علماء
اللغة.